كتبت كيت لوسي في تقريرها لـ"منوكل" أن مشروع المتحف المصري الكبير، الذي استغرق عقدين وكلف أكثر من مليار دولار، يجسّد في آنٍ واحد طموح مصر وجمودها. أخيرًا فُتحت أبواب المجمع العملاق عند سفح الأهرامات وعلى مرمى البصر من الطريق الدائري في القاهرة، بعد تأجيلات متكررة وبدايات متعثرة. وبينما يتجوّل الزوّار الأوائل في أبهائه المكسوة بالرخام اللامع ويمرّون إلى جوار تمثال رمسيس الثاني البالغ عمره 3200 عام، تطرح الكاتبة سؤالًا صريحًا: ماذا تريد مصر أن تقول بهذا المتحف فعلًا؟

أوضحت منوكل، أن فكرة المتحف منذ التسعينيات لم تكن محصورة في علم الآثار، بل كانت إعلانًا عن هوية وطنية جديدة، ورسالة مفادها أن مصر قادرة على منافسة مؤسسات ثقافية مثل اللوفر والمتحف البريطاني ومتحف سميثسونيان. لكن الرحلة الطويلة نحو افتتاح المتحف كشفت عن قصة أكثر تعقيدًا: الانطلاقة بدأت في 2005، وتوقفت بعد ثورات الربيع العربي، ثم عادت بتمويل من اليابان، وتأجلت مجددًا مع جائحة كورونا. في هذا المسار المتعرّج تحوّل المتحف إلى استعارةٍ لمصر الحديثة، دولة مثقلة بتاريخها، يوقفها اضطراب السياسة، ويدفعها في النهاية إيمان عنيد بأن الفخامة قد تعوّض غياب الحوكمة الرشيدة.

المبنى الذي صمّمه مكتب “هينيجان بنج” الأيرلندي يثير الإعجاب بجماله المسرحي؛ واجهته المثلثة الشاسعة من الألباستر والزجاج تميل نحو الأهرامات في حوار صامت مع الماضي. في الداخل، يصعد الزائر عبر درجٍ مهيب تصطف على جانبيه تماثيل وتوابيت ومسلات فرعونية، حتى يصل إلى المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون المعروضة للمرة الأولى مجتمعة. المشهد آسر لكنه مدروس بإتقان، أقرب إلى عرضٍ مسرحي من كونه تجربة متحفية حيّة.

قائمة الحضور في حفل الافتتاح أكدت هذا الانطباع؛ فقد دُعي رؤساء وملوك وأمراء من أوروبا والعالم العربي، وتزيّنت الساحة بالسجاد الأحمر وعروض الطائرات المسيّرة وخُطَب تتحدث عن “بعث مهد الحضارة”. الرسالة كانت واضحة: “مصر عادت إلى الساحة العالمية.” غير أن هذا الاستعراض يخفي قلقًا صامتًا. فالمتحف القديم في ميدان التحرير، رغم غباره وعشوائيته المحبّبة، كان يحكي القصة دون مؤثرات رقمية أو أضواء مبهرة. النسخة الجديدة، كما تقول الكاتبة، تحاول إثبات شيء ما أكثر مما تحكي.

وراء الواجهة الرمزية، يشكّل المتحف محور مشروع ضخم لإعادة تطوير هضبة الجيزة، يشمل طرقًا جديدة وفنادق ومطارًا مخططًا وحدائق منظمة بدل الفوضى القديمة. السياحة تمثل نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، والحكومة تراهن على المتحف لرفع أعداد الزوّار بنسبة تصل إلى 20%. الرهان جريء في ظل اقتصاد عالمي مضطرب وأزمة ديون وتضخّم وبطالة متزايدة. لكن المتحف، بحسب التحليل، يمثل استثمارًا في السرد لا في المال: فرصة لتغيير الرواية من “أزمة” إلى “حضارة”، من “قروض صندوق النقد الدولي” إلى “إرث الفراعنة”.

ومع ذلك، يبقى السؤال: لمن أُنشئ هذا المتحف؟ أسعار التذاكر ستجعل دخوله بعيد المنال عن كثير من المصريين، فيما يبدو تصميمه موجهًا إلى السياح الدوليين أكثر من العائلات المحلية. الفخامة هنا تُستخدم كقوة ناعمة، لا كمؤسسة تعليمية للمجتمع.

تختم كيت لوسي بقولها إن افتتاح متحف جديد في بلدٍ يُقاس تاريخه بالآلاف من السنين يستحق الاحتفاء، لكن ينبغي النظر إليه بحذر. المتحف المصري الكبير إنجاز استثنائي، لكنه أيضًا تذكير بأن مصر المعاصرة ما زالت تحاول التوفيق بين ماضيها المهيب وحاضرها المربك. سيحكم المستقبل إن كان هذا الصرح سيغدو مؤسسة ثقافية حيّة أم مجرد نصبٍ آخر لطموحٍ لم يكتمل، عندما تُطوى السجادة الحمراء وتغادر عدسات الكاميرات، وتبقى الأسئلة معلّقة في هواء الصحراء.

https://monocle.com/culture/cairos-new-grand-egyptian-museum/